ومما
لا شك فيه أن انخراط الشباب في هذا الخيار الاستراتيجي٬ يظل رهينا بمدى
تأهيله وإعداده للمستقبل٬ وهذا ما يحيلنا على المنظومة التربوية٬ وقدرتها
على تكوين الأجيال الصاعدة٬ وإعدادها للاندماج الكامل في المسار التنموي
الديمقراطي للمجتمع.
لذلك يتعين الانكباب الجاد على هذه المنظومة٬ التي نضعها
في صدارة الأسبقيات الوطنية. هذه المنظومة التي تسائلنا اليوم٬ إذ لا ينبغي
أن تضمن فقط حق الولوج العادل والمنصف٬ القائم على المساواة٬ إلى المدرسة
والجامعة لجميع أبنائنا. وإنما يتعين أن تخولهم أيضا الحق في الاستفادة من
تعليم موفور الجدوى والجاذبية٬ وملائم للحياة التي تنتظرهم.
كما يجب أن تهدف إلى تمكين الشباب من تطوير ملكاتهم٬
واستثمار طاقاتهم الإبداعية٬ وتنمية شخصيتهم للنهوض بواجبات المواطنة٬ في
مناخ من الكرامة وتكافؤ الفرص٬ والمساهمة في التنمية الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية. وذلكم هو التحدي الأكبر الذي تطرحه الظرفية
الراهنة.
ولبلوغ هذه الغاية٬ يجب علينا العمل على تفعيل ما تمت
التوصية به خلال السنوات الأخيرة٬ وتجسيد ما توخاه الدستور الجديد بخصوص
التعليم العصري والجيد.
وفي هذا الصدد٬ ينبغي إعادة النظر في مقاربتنا٬ وفي الطرق
المتبعة في المدرسة٬ للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه٬
مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين٬ إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء
المتعلمين٬ وتنمية قدراتهم الذاتية٬ وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع
والابتكار٬ فضلا عن تمكينهم من اكتساب المهارات٬ والتشبع بقواعد التعايش مع
الآخرين٬ في التزام بقيم الحرية والمساواة٬ واحترام التنوع والاختلاف.
إن الأمر لا يتعلق إذن٬ في سياق الإصلاح المنشود٬ بتغيير
البرامج٬ أو إضافة مواد أو حذف أخرى٬ وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس
نسق التكوين وأهدافه. وذلك بإضفاء دلالات جديدة على عمل المدرس لقيامه
برسالته النبيلة٬ فضلا عن تحويل المدرسة من فضاء يعتمد المنطق القائم أساسا
على شحن الذاكرة ومراكمة المعارف٬ إلى منطق يتوخى صقل الحس النقدي٬ وتفعيل
الذكاء٬ للانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل. وفي هذا الصدد٬ ندعو الحكومة
للعمل في هذا الاتجاه٬ من خلال التركيز على ضرورة النهوض بالمدرسة
العمومية٬ إلى جانب تأهيل التعليم الخاص٬ في إطار من التفاعل والتكامل.
وللنهوض بالقطاع التربوي والتعليمي٬ بما يقتضيه الأمر من
شراكة ومسؤولية٬ فإنه يتعين الإسراع بتفعيل مقتضيات الدستور٬ بخصوص المجلس
الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي٬ في صيغته الجديدة٬ على أن تساهم
هذه الهيأة في إنجاح هذا التحول الجوهري والمصيري٬ ليس بالنسبة لمستقبل
الشباب فحسب٬ بل ولمستقبل المغرب٬ بلدا وأمة.
إننا نعلم المجهودات الجبارة التي تبذلها الأسر من أجل
رعاية أطفالها وتعليمهم. ذلك أنه يتعين الحفاظ على هذا التضامن بين
الأجيال. بيد أن قضايا الشباب لا تتعلق فقط بالمجال الخاص أو العائلي٬ أو
بما هو مرتبط بالتربية والتكوين والتعليم وإنما هي قضية المجتمع برمته
لإيجاد الحلول لكل المشكلات التي تواجه الشباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق